الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
بسم الله الرحمن الرحيم وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الصِّيَامُ قِسْمَانِ فَرْضٌ, وَتَطَوُّعٌ, وَهَذَا إجْمَاعُ حَقٍّ مُتَيَقَّنٍ, وَلاَ سَبِيلَ فِي بِنْيَةِ الْعَقْلِ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ فَمِنْ الْفَرْضِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ, الَّذِي بَيْنَ شَعْبَانَ, وَشَوَّالٍ, فَهُوَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ صَحِيحٍ مُقِيمٍ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا, ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى, إلاَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ, فَلاَ يَصُومَانِ أَيَّامَ حَيْضِهِمَا أَلْبَتَّةَ, وَلاَ أَيَّامَ نَفَسِهِمَا, وَيَقْضِيَانِ صِيَامَ تِلْكَ الأَيَّامِ وَهَذَا كُلُّهُ فَرْضٌ مُتَيَقَّنٌ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ. وَلاَ يُجْزِئُ صِيَامٌ أَصْلاً رَمَضَانَ كَانَ أَوْ غَيْرَهُ إلاَّ بِنِيَّةٍ مُجَدَّدَةٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِصَوْمِ الْيَوْمِ الْمُقْبِلِ فَمَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ النِّيَّةِ بَطَلَ صَوْمُهُ بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ عَمَلَ إلاَّ بِنِيَّةٍ لَهُ, وَأَنَّهُ لَيْسَ لأَِحَدٍ إلاَّ مَا نَوَى. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ فَلَهُ صَوْمٌ, وَمَنْ لَمْ يَنْوِهِ فَلَيْسَ لَهُ صَوْمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ: أَنَّ الصَّوْمَ إمْسَاكٌ عَنْ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ; وَتَعَمُّدِ الْقَيْءِ, وَعَنْ الْجِمَاعِ, وَعَنْ الْمَعَاصِي, فَكُلُّ مَنْ أَمْسَكَ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ لَوْ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ بِلاَ نِيَّةٍ لِلصَّوْمِ لَكَانَ فِي كُلِّ وَقْتٍ صَائِمًا, وَهَذَا مَا لاَ يَقُولُ أَحَدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الإِجْمَاعِ: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ صَامَ وَنَوَاهُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ, وَلاَ نَصَّ، وَلاَ إجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ يُجْزِئُ مَنْ لَمْ يَنْوِهِ مِنْ اللَّيْلِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ, وَهُوَ لاَ يَنْوِي صَوْمًا أَصْلاً, بَلْ نَوَى أَنَّهُ مُفْطِرٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهُ, إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ, وَلاَ جَامَعَ: فَإِنَّهُ صَائِمٌ وَيُجْزِئُهُ, وَلاَ بُدَّ لَهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِنْ نِيَّةٍ وقال أبو حنيفة: النِّيَّةُ فَرْضٌ لِلصَّوْمِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ, أَوْ التَّطَوُّعِ, أَوْ النَّذْرِ إلاَّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ أَنْ يُحْدِثَهَا فِي النَّهَارِ, مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ, وَمَا لَمْ يَكُنْ أَكَلَ قَبْلَ ذَلِكَ, وَلاَ شَرِبَ, وَلاَ جَامَعَ, فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْهَا لاَ مِنْ اللَّيْلِ، وَلاَ مِنْ النَّهَارِ مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِإِحْدَاثِ النِّيَّةِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ, وَلاَ صَوْمَ لَهُ, وَعَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ, وأما قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ فَلاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ لِكُلِّ يَوْمٍ, وَإِلاَّ فَلاَ صَوْمَ لَهُ, وَلاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يُحْدِثَ النِّيَّةَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وقال مالك: لاَ بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ فِي الصَّوْمِ وأما فِي رَمَضَانَ فَتُجْزِئُهُ نِيَّتُهُ لِصَوْمِهِ كُلِّهِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ, ثُمَّ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ نِيَّةَ كُلِّ لَيْلَةٍ, إلاَّ أَنْ يَمْرَضَ فَيُفْطِرَ, أَوْ يُسَافِرَ فَيُفْطِرَ, فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ حِينَئِذٍ مُجَدَّدَةٍ قَالَ: وأما التَّطَوُّعُ فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ لِكُلِّ لَيْلَةٍ. وقال الشافعي, وَدَاوُد: مِثْلَ قَوْلِنَا, إلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَأَى فِي التَّطَوُّعِ خَاصَّةً إحْدَاثَ النِّيَّةِ لَهُ مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ, وَمَا لَمْ يَكُنْ أَكَلَ قَبْلَ ذَلِكَ, أَوْ شَرِبَ, أَوْ جَامَعَ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لاَ يَصُومُ إلاَّ مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لاَ يَصُومُ إلاَّ مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَتْ حَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: لاَ صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَجْمَعْ قَبْلَ الْفَجْرِ فَهَؤُلاَءِ ثَلاَثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ أَصْلاً, وَالْحَنَفِيُّونَ, وَالْمَالِكِيُّونَ: يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ وَقَدْ خَالَفُوهُمْ هَاهُنَا, مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ قَالَ بِقَوْلِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ; هُمْ يُشَنِّعُونَ أَيْضًا بِمِثْلِ هَذَا عَلَى مَنْ قَالَهُ مُتَّبِعًا لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ, وَهُمْ هَاهُنَا خَالَفُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الثَّابِتَةَ بِرَأْيٍ فَاسِدٍ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ قال أبو محمد: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ. وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ, وَلاَ يَضُرُّ إسْنَادُ ابْنِ جُرَيْجٍ لَهُ أَنْ أَوْقَفَهُ مَعْمَرٌ, وَمَالِكٌ, وَعُبَيْدُ اللَّهِ, وَيُونُسُ, وَابْنُ عُيَيْنَةَ, فَابْنُ جُرَيْجٍ لاَ يَتَأَخَّرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ فِي الثِّقَةِ وَالْحِفْظِ, وَالزُّهْرِيُّ وَاسِعُ الرِّوَايَةِ, فَمَرَّةً يَرْوِيهِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ, وَمَرَّةً عَنْ حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ, وَكِلاَهُمَا ثِقَةٌ, وَابْنُ عُمَرَ كَذَلِكَ, مَرَّةً رَوَاهُ مُسْنَدًا, وَمَرَّةً رَوَى أَنَّ حَفْصَةَ أَفْتَتْ بِهِ, وَمَرَّةً أَفْتَى هُوَ بِهِ, وَكُلُّ هَذَا قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُعْتَرِضِينَ بِهَذَا مِنْ مَذْهَبِهِمْ: أَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ. قال أبو محمد: وَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَحِلُّ تَخْصِيصُهُ, وَلاَ تَبْدِيلُهُ, وَلاَ الزِّيَادَةُ فِيهِ, وَلاَ النَّقْصُ مِنْهُ, إلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ صَحِيحٍ فإن قيل: فَهَلاَّ أَوْجَبْتُمْ النِّيَّةَ مُتَّصِلَةً بِتَبَيُّنِ الْفَجْرِ, كَمَا تَقُولُونَ: فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلاَةِ, وَالزَّكَاةِ, وَالْحَجِّ, وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ. قلنا: لِوَجْهَيْنِ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا النَّصُّ الْوَارِدُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ وَلَسْنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِمَّنْ يَضْرِبُ كَلاَمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَيُؤْمِنُ بِبَعْضِهِ, وَيَكْفُرُ بِبَعْضِهِ, وَلاَ مِمَّنْ يُعَارِضُ أَوَامِرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَظَرِهِ الْفَاسِدِ; بَلْ نَأْخُذُ جَمِيعَ السُّنَنِ كَمَا وَرَدَتْ; وَنَسْمَعُ وَنُطِيعُ لِجَمِيعِهَا كَمَا أَتَتْ وَالثَّانِي: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: فإن قيل: فَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ لِمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ مِنْ اللَّيْلِ إحْدَاثَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي. قلنا: نَعَمْ, بِنَصٍّ صَحِيحٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ لاَ ذَلِكَ مَا فَعَلْنَاهُ قال أبو محمد: وَمَا نَعْلَمُ لِزُفَرَ حُجَّةً إلاَّ، أَنَّهُ قَالَ: رَمَضَانُ مَوْضِعٌ لِلصِّيَامِ وَلَيْسَ. مَوْضِعًا لِلْفِطْرِ أَصْلاً, فَلاَ مَعْنَى لِنِيَّةِ الصَّوْمِ فِيهِ, إذْ لاَ بُدَّ مِنْهُ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ, مُبْطِلَةٌ لِقَوْلِهِ; لأَِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْضِعًا لِلصَّوْمِ لاَ لِلْفِطْرِ أَصْلاً وَجَبَ أَنْ يَنْوِيَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الْعِبَادَةِ بِذَلِكَ الصَّوْمِ, وَأَنْ يُخْلِصَ النِّيَّةَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهَا, وَلاَ يُخْرِجُهَا مَخْرَجَ الْهَزْلِ وَاللَّعِبِ. وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ أُمِرْنَا بِأَنْ نَجْعَلَهُ لِلصَّوْمِ, وَنُهِينَا فِيهِ عَنْ الْفِطْرِ, إلاَّ حَيْثُ جَاءَنَا النَّصُّ بِالْفِطْرِ فِيهِ, فَهُوَ وَقْتٌ لِلطَّاعَةِ مِمَّنْ أَطَاعَ بِأَدَاءِ مَا أُمِرَ بِهِ وَوَقْتٌ وَاَللَّهِ لِلْمَعْصِيَةِ الْعَظِيمَةِ فَمَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ وَخَالَفَ أَمْرَهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَصُمْهُ كَمَا أُمِرَ; فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ يَقِينًا بِالْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ فَلاَ بُدَّ ضَرُورَةً مِنْ قَصْدٍ إلَى الطَّاعَةِ الْمَفْرُوضَةِ, وَتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ الْمُحَرَّمَةِ, وَهَذَا لاَ يَكُونُ إلاَّ بِنِيَّةٍ لِذَلِكَ. وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ وَقْتِ صَلاَةِ الصُّبْحِ إلاَّ مِقْدَارُ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا أَوْ عَابِثًا: أَنْ يُجْزِئَهُ ذَلِكَ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ; لأَِنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَقْتٌ لَهَا, لاَ لِغَيْرِهَا أَصْلاً, وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ: إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا. وَمَا عَلِمْنَا لاَِبِي حَنِيفَةَ حُجَّةً أَصْلاً فِي تِلْكَ التَّقَاسِيمِ الْفَاسِدَةِ السَّخِيفَةِ, إلاَّ أَنَّ بَعْضَ مَنْ ابْتَلاَهُ بِتَقْلِيدِهِ مَوَّهَ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ نَذْكُرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ, لأَِنَّهُ مَوْضِعُهُ, وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مُتَعَلِّقٌ لاَِبِي حَنِيفَةَ أَصْلاً, بَلْ قَدْ نَقَضَ أَصْلَهُ, فَأَوْجَبَ فِيهِ نِيَّةً; بِخِلاَفِ قَوْلِهِ فِي الطَّهَارَةِ, ثُمَّ أَوْجَبَهَا فِي النَّهَارِ بِلاَ دَلِيلٍ, وَمَا نَعْرِفُ لِمَالِكٍ حُجَّةً أَصْلاً; إلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: رَمَضَانُ كَصَلاَةٍ وَاحِدَةٍ قال أبو محمد: وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ بِالْبَاطِلِ; لأَِنَّ الصَّلاَةَ الْوَاحِدَةَ لاَ يَحُولُ بَيْنَ أَعْمَالِهَا بِعَمْدٍ مَا لَيْسَ مِنْهَا أَصْلاً, وَصِيَامُ رَمَضَانَ يَحُولُ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ مِنْهُ لَيْلٌ يَبْطُلُ فِيهِ الصَّوْمُ جُمْلَةً وَيَحِلُّ فِيهِ الأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ, فَكُلُّ يَوْمٍ لَهُ حُكْمٌ غَيْرُ حُكْمِ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ; وَقَدْ يَمْرَضُ فِيهِ أَوْ يُسَافِرُ, أَوْ تَحِيضُ, فَيَبْطُلُ الصَّوْمُ, وَكَانَ بِالأَمْسِ صَائِمًا, وَيَكُونُ غَدًا صَائِمًا. وَإِنَّمَا شَهْرُ رَمَضَانَ كَصَلَوَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ, يَحُولُ بَيْنَ كُلِّ صَلاَتَيْنِ مَا لَيْسَ صَلاَةً, فَلاَ بُدَّ لِكُلِّ صَلاَةٍ مِنْ نِيَّةٍ, فَكَذَلِكَ لاَ بُدَّ لِكُلِّ يَوْمٍ فِي صَوْمِهِ مِنْ نِيَّةٍ. وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ هَذَا الْقِيَاسَ, فَرَأَوْا مَنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ، وَأَنَّ سَائِرَ صِيَامِهِ كَسَائِرِ أَيَّامِ الشَّهْرِ صَحِيحٌ, فَقَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّ حُكْمَ الشَّهْرِ كَصَلاَةِ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ, وَيَوْمٍ وَاحِدٍ. وَإِنَّمَا يَخْرُجُ هَذَا عَلَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الَّذِي يَرَى مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ عَامِدًا أَوْ أَفْطَرَهُ كُلَّهُ سَوَاءٌ, وَأَنَّ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ قَضَاءُ شَهْرٍ, كَمَا عَلَيْهِ فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ, وَلاَ فَرْقَ. وَهَذَا مِمَّا أَخْطَئُوا فِيهِ الْقِيَاسَ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَلاَ النَّصَّ اتَّبَعُوا, وَلاَ الصَّحَابَةَ قَلَّدُوا, وَلاَ قِيَاسَ صَحِبُوا, وَلاَ الاِحْتِيَاطَ الْتَزَمُوا, وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ نَسِيَ أَنْ يَنْوِيَ مِنْ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ فَأَيُّ وَقْتٍ ذَكَرَ مِنْ النَّهَارِ التَّالِي لِتِلْكَ اللَّيْلَةِ سَوَاءٌ أَكَلَ وَشَرِبَ وَوَطِئَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْوِي الصَّوْمَ مِنْ وَقْتِهِ إذَا ذَكَرَ, وَيُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الصَّائِمُ, وَيُجْزِئُهُ صَوْمُهُ ذَلِكَ تَامًّا, وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ النَّهَارِ, إلاَّ مِقْدَارُ النِّيَّةِ فَقَطْ, فَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَذَلِكَ فَلاَ صَوْمَ لَهُ, وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَعَمِّدٌ لإِِبْطَالِ صَوْمِهِ, وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقَضَاءِ. وَكَذَلِكَ مَنْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِأَنَّ هِلاَلَ رَمَضَانَ رُئِيَ الْبَارِحَةَ فَسَوَاءٌ أَكَلَ وَشَرِبَ وَوَطِئَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي أَيِّ وَقْتٍ جَاءَ الْخَبَرُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَوْ فِي آخِرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا: فَإِنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ سَاعَةً صَحَّ الْخَبَرُ عِنْدَهُ, وَيُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الصَّائِمُ, وَيُجْزِئُهُ صَوْمُهُ, وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ, فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَصَوْمُهُ بَاطِلٌ, كَمَا قلنا فِي الَّتِي قَبْلَهَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ, وَكَذَلِكَ أَيْضًا: مَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَنَسِيَ النِّيَّةَ وَذَكَرَ بِالنَّهَارِ فَكَمَا قلنا، وَلاَ فَرْقَ, وَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ الْوَاجِبَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ بِالنَّهَارِ، وَلاَ فَرْقَ وَكَذَلِكَ مَنْ نَامَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي رَمَضَانَ, أَوْ فِي الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ, أَوْ فِي نَذْرٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَنْتَبِهْ إلاَّ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ نَهَارِ ذَلِكَ الْيَوْمِ, وَلَوْ فِي آخِرِهِ كَمَا قلنا فَكَمَا قلنا أَيْضًا آنِفًا سَوَاءٌ سَوَاءٌ, وَلاَ فَرْقَ فِي شَيْءٍ أَصْلاً, فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا, وَلاَ اسْتَيْقَظَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ: فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ, وَلَمْ يَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ. بُرْهَانُ قَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا نَاسٍ, أَوْ مُخْطِئٌ غَيْرُ عَامِدٍ, فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ، حدثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حدثنا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ, وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ, فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ: مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ, وَمَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ إلَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا الْمَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ: إنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ, وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ, فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ مُسْنَدًا. قال أبو محمد: وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ هُوَ كَانَ الْفَرْضُ حِينَئِذٍ صِيَامَهُ. كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى الْبُخَارِيِّ حدثنا أَبُو مَعْمَرٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ، حدثنا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَحُثُّنَا عَلَيْهِ وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ, فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا عَنْهُ وَلَمْ يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ, وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ, وَعِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ كُلُّهُمْ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ, حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ. قَالَ عِرَاكٌ: فَقَالَ عليه السلام: مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْهُ. قال أبو محمد: فَكَانَ هَذَا حُكْمَ صَوْمِ الْفَرْضِ, وَمَا نُبَالِي بِنَسْخِ فَرْضِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ, فَقَدْ أُحِيلَ صِيَامُ رَمَضَانَ أَحْوَالاً, فَقَدْ كَانَ مَرَّةً: مَنْ شَاءَ صَامَهُ, وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَهُ وَأَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا, إلاَّ أَنَّ حُكْمَ مَا كَانَ فَرْضًا حُكْمٌ وَاحِدٌ; وَإِنَّمَا نَزَلَ هَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ; وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ نَاسٍ, أَوْ جَاهِلٍ, أَوْ نَائِمٍ فَلَمْ يَعْلَمُوا وُجُوبَ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ, فَحُكْمُهُمْ كُلِّهِمْ هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ اسْتِدْرَاكِ النِّيَّةِ فِي الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ مَتَى مَا عَلِمُوا بِوُجُوبِ صَوْمِهِ عَلَيْهِمْ, وَسُمِّيَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ صَائِمًا, وَجَعَلَ فِعْلَهُ صَوْمًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ: أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا عَلَى الْهِلاَلِ بَعْدَمَا أَصْبَحُوا, فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَنْ أَكَلَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ الطَّعَامِ, وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَعَنْ عَطَاءٍ: إذَا أَصْبَحَ رَجُلٌ مُفْطِرًا وَلَمْ يَذُقْ شَيْئًا ثُمَّ عَلِمَ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ آخِرَهُ فَلْيَصُمْ مَا بَقِيَ، وَلاَ يُبَدِّلْهُ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي بَشِيرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ: مَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ, وَمَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَنْ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْهِلاَلَ رُئِيَ الْبَارِحَةَ عَلَى أَقْوَالٍ: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَنْوِي صَوْمَ يَوْمِهِ وَيُجْزِئُهُ, وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبِهِ نَأْخُذُ, وَبِهِ جَاءَ النَّصُّ الَّذِي قَدَّمْنَا: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لاَ يَصُومُ, لأَِنَّهُ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ, وَلَمْ يَرَوْا فِيهِ قَضَاءً, وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ كَمَا ذَكَرْنَا ,. وَبِهِ يَقُولُ دَاوُد وَأَصْحَابُنَا: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَأْكُلُ بَقِيَّتَهُ وَيَقْضِيهِ, وَهُوَ قَوْلٌ رُوِّينَاهُ عَنْ عَطَاءٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُمْسِكُ فِيهِ عَمَّا يُمْسِكُ الصَّائِمُ, وَلاَ يُجْزِئُهُ, وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ, وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ أَكَلَ خَاصَّةً, دُونَ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ; وَفِيمَنْ عَلِمَ الْخَبَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَقَطْ, أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ, وَهَذَا أَسْقَطُ الأَقْوَالِ; لأَِنَّهُ لاَ نَصَّ فِيهِ, وَلاَ قِيَاسَ, وَلاَ نَعْلَمُهُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ يَخْلُو هَذَا الإِمْسَاكُ الَّذِي أَمَرُوهُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَوْمًا يُجْزِئُهُ, وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا, أَوْ لاَ يَكُونُ صَوْمًا، وَلاَ يُجْزِئُهُ, فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يَأْمُرُوهُ بِعَمَلٍ يَتْعَبُ فِيهِ وَيَتَكَلَّفُهُ، وَلاَ يُجْزِئُهُ, وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا أَوْ صَائِمًا; فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلِمَ يَقْضِيهِ إذَنْ فَيَصُومُ يَوْمَيْنِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ وَاحِدٌ. وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلِمَ أَمَرُوهُ بِعَمَلِ الصَّوْمِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا, وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. قال أبو محمد: احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَصْحِيحِ تَخْلِيطِهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ بِخَبَرِ الرُّبَيِّعِ, وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ الَّذِي ذَكَرْنَا, وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ خَالَفُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفْسِ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ, فَقَالُوا: مَنْ أَكَلَ لَمْ يُجْزِهِ صِيَامُ بَاقِي يَوْمِهِ, وَفِي تَخْصِيصِهِمْ بِالنِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَيْسَ هَذَا فِي الْخَبَرِ, ثُمَّ احْتَجُّوا بِهِ فِيمَا لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ وَمِنْ عَادَتِهِمْ هَذَا الْخُلُقُ الذَّمِيمُ, وَهَذَا قَبِيحٌ جِدًّا, وَتَمْوِيهٌ لاَ يَسْتَجِيزُهُ مُحَقِّقٌ نَاصِحٌ لِنَفْسِهِ, وقال بعضهم: قَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي فِي عَاشُورَاءَ فَقَالَ: صُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا قَالُوا: لاَ, قَالَ: فَأَتِمُّوا يَوْمَكُمْ هَذَا وَاقْضُوا. قال أبو محمد: لَفْظَةُ " وَاقْضُوا " مَوْضُوعَةٌ بِلاَ شَكٍّ, وَعَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ مَوْلَى بَنِي أَبِي الشَّوَارِبِ يُكَنَّى أَبَا الْحُسَيْنِ, مَاتَ سَنَةَ 51 هـ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَثَلاَثِمِائَةٍ, وَقَدْ اخْتَلَطَ عَقْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ, وَهُوَ بِالْجُمْلَةِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ, وَتَرَكَهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ جُمْلَةً وَأَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُسْلِمٍ مَجْهُولٌ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ, وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ, وَلَيْسَتْ فِيهِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ. كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حدثنا شُعْبَةُ، حدثنا قَتَادَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِنْهَالِ بْنِ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لاَِسْلَمَ: صُومُوا الْيَوْمَ قَالُوا: إنَّا قَدْ أَكَلْنَا, قَالَ: صُومُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ يَعْنِي عَاشُورَاءَ. حدثنا عبد الله بن ربيع التَّمِيمِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ هُوَ الْبُرْسَانِيُّ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: غَدَوْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَبِيحَةَ عَاشُورَاءَ; فَقَالَ لَنَا: أَصْبَحْتُمْ صِيَامًا قلنا: قَدْ تَغَدَّيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ; قَالَ: فَصُومُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ. قال أبو محمد: وَمِنْ الْغَرَائِبِ تَمْوِيهُ الْحَنَفِيِّينَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ قَانِعٍ مِنْ قَوْلِهِ: وَاقْضُوا ثُمَّ خَالَفُوهَا فَلَمْ يَرَوْا الْقَضَاءَ إلاَّ عَلَى مَنْ أَكَلَ دُونَ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ, وَعَلَى مَنْ نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ. وَهَذَا كُلُّهُ خِلاَفُ الْكِذْبَةِ الَّتِي اسْتَحَقُّوا بِهَا الْمَقْتَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى, فَحَيْثُمَا تَوَجَّهُوا عَثَرُوا, وَبِكُلِّ مَا احْتَجُّوا فَقَدْ خَالَفُوهُ, وَهَكَذَا فَلْيَكُنْ الْخِذْلاَنُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ, وأما مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَيْهِ إلاَّ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ كَمَا أُمِرَ; وَلأَِنَّهُ لَمْ يَنْوِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ صَوْمًا, وَلَمْ يَتَعَمَّدْ تَرْكَ النِّيَّةِ, فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَتَعَمَّدْ, وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ; لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلاَ يَجِبُ فِي الدِّينِ حُكْمٌ إلاَّ بِأَحَدِهِمَا; وَإِنَّمَا أُمِرَ بِصِيَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ, لاَ بِصَوْمِ غَيْرِهِ مَكَانَهُ, فَلاَ يُجْزِئُ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ مَكَانَ مَا أُمِرَ بِهِ. وَلاَ يُجْزِئُ صَوْمُ التَّطَوُّعِ إلاَّ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ, وَلاَ صَوْمُ قَضَاءِ رَمَضَانَ, أَوْ الْكَفَّارَاتِ إلاَّ كَذَلِكَ لأَِنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِأَنْ لاَ صَوْمَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا قَدَّمْنَا, وَلَمْ يَخُصَّ النَّصُّ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ مَا كَانَ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ, وَبَقِيَ سَائِرُ ذَلِكَ عَلَى النَّصِّ الْعَامِّ. وَقَوْلُنَا بِهَذَا فِي التَّطَوُّعِ, وَقَضَاءِ رَمَضَانَ, وَالْكَفَّارَاتِ: هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ; وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمَا. فإن قال قائل: فَكَيْفَ اسْتَجَزْتُمْ خِلاَفَ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُجَاهِدٍ, وَعَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ كِلاَهُمَا عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ وَقَالَ مَرَّةً: مِنْ غَدَاءٍ قلنا: لاَ, قَالَ: فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ. وَقَالَ لَهَا مَرَّةً أُخْرَى: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ قلنا: نَعَمْ, أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ, قَالَ: أَمَا إنِّي أَصْبَحْتُ أُرِيدُ الصَّوْمَ فَأَكَلَ. وَقَالَ بِهَذَا جُمْهُورُ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ, وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ, قَالَ ثَابِتٌ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: إنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ يَأْتِي أَهْلَهُ مِنْ الضُّحَى, فَيَقُولُ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ غَدَاءٍ فَإِنْ قَالُوا: لاَ, قَالَ: فَأَنَا صَائِمٌ, وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُتْبَةَ: عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ بِمِثْلِ فِعْلِ أَبِي طَلْحَةَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ شَبِيبٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: إنِّي لاَُصْبِحُ يَوْمَ طُهْرِي حَائِضًا وَأَنَا أُرِيدُ الصَّوْمَ, فَأَسْتَبِينُ طُهْرِي فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ فَأَغْتَسِلُ ثُمَّ أَصُومُ, وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ, قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ; وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ الزُّهْرِيِّ, وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ, قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ, وَقَالَ أَيُّوبُ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ, ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ, وَأَبُو إدْرِيسَ, وَأَبُو قِلاَبَةَ كُلُّهُمْ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ, أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ إذَا أَصْبَحَ سَأَلَ أَهْلَهُ الْغَدَاءَ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ; قَالَ: إنَّا صَائِمُونَ. وَقَالَ عَطَاءٌ فِي حَدِيثِهِ: إنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَأْتِي أَهْلَهُ حِينَ يَنْتَصِفُ النَّهَارُ, فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ غِذَاءٍ فَيَجِدُهُ, أَوْ لاَ يَجِدُهُ, فَيَقُولُ: لاَُتِمَّنَّ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ. قَالَ عَطَاءٌ: وَأَنَا أَفْعَلُهُ, وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يَسْأَلُ الْغَدَاءَ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ صَامَ يَوْمَهُ, وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُصْبِحُ مُفْطِرًا, فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ طَعَامٍ فَيَجِدُهُ, أَوْ لاَ يَجِدُهُ; فَيُتِمُّ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا أَصْبَحْتَ وَأَنْتَ تُرِيدُ الصَّوْمَ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ: إنْ شِئْتَ صُمْتَ وَإِنْ شِئْتَ أَفْطَرْتَ; إلاَّ أَنْ تَفْرِضَ عَلَى نَفْسِكَ الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ, فَقَالَ: أَصْبَحْتُ، وَلاَ أُرِيدُ الصَّوْمَ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ, فَإِنْ انْتَصَفَ النَّهَارُ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُفْطِرَ. وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَمِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ, قَالاَ جَمِيعًا: الصَّائِمُ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ; قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا لَمْ يُطْعِمْ, فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطْعِمَ طَعِمَ, وَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ صَوْمًا كَانَ صَوْمًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَنْ حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالصِّيَامِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ, حَتَّى يَمْتَدَّ النَّهَارُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ أَحَدَكُمْ بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ مَا لَمْ يَأْكُلْ أَوْ يَشْرَبْ, وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ السُّلَمِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ بَدَا لَهُ فِي الصَّوْمِ بَعْدَ أَنْ زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَامَ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَيْضًا، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ بَدَا لَهُ فِي الصِّيَامِ بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ فَلْيَصُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: كُنْتُ فِي سَفَرٍ وَكَانَ يَوْمَ فِطْرٍ; فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ قُلْتُ: لاََصُومَنَّ هَذَا الْيَوْمَ; فَصُمْتُ, فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, فَقَالَ: أَصَبْتَ, قَالَ عَطَاءٌ: وَكُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَجَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ عِنْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ: إنِّي لَمْ آكُلْ الْيَوْمَ شَيْئًا أَفَأَصُومُ. قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: فَإِنَّ عَلَيَّ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ, أَفَأَجْعَلُهُ مَكَانَهُ قَالَ نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا عَزَمَ عَلَى الصَّوْمِ مِنْ الضُّحَى فَلَهُ النَّهَارُ أَجْمَعُ; فَإِنْ عَزَمَ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فَلَهُ مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ; وَإِنْ أَصْبَحَ وَلَمْ يَعْزِمْ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ, وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ رَجُلٍ كَانَ عَلَيْهِ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ, فَأَصْبَحَ وَلَيْسَ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَصُومَ, ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَمَا أَصْبَحَ أَنْ يَصُومَ وَأَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ. فَقَالَ عَطَاءٌ: لَهُ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ: الصَّائِمُ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ, فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: مَنْ أَرَادَ الصَّوْمَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إذَا تَسَحَّرَ الرَّجُلُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ, فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ, وَإِنْ هَمَّ بِالصَّوْمِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ, إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ; فَإِنْ سَأَلَهُ إنْسَانٌ فَقَالَ: أَصَائِمٌ أَنْتَ فَقَالَ: نَعَمْ, فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ إلاَّ أَنْ يَقُولَ: إنْ شَاءَ, فَإِنْ قَالَهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ; إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ. فَهَؤُلاَءِ مِنْ الصَّحَابَةِ: عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ, وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ, وَابْنُ عُمَرَ, وَابْنُ عَبَّاسٍ, وَأَنَسٌ, وَأَبُو طَلْحَةَ, وَأَبُو أَيُّوبَ, وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ, وَأَبُو الدَّرْدَاءِ, وَأَبُو هُرَيْرَةَ, وَابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ. وَمِنْ التَّابِعِينَ: ابْنُ الْمُسَيِّبِ, وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ, وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ, وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ, وَالشَّعْبِيُّ, وَالْحَسَنُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ, وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَنْ أَصْبَحَ وَهُوَ يَنْوِي الْفِطْرَ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ، وَلاَ شَرِبَ، وَلاَ وَطِئَ: فَلَهُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ مَا لَمْ تَغِبْ الشَّمْسُ, وَيَصِحُّ صَوْمُهُ بِذَلِكَ. قال أبو محمد: فَنَقُولُ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نُخَالِفَ شَيْئًا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَنْ نَصْرِفَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ آخَرَ, وَهَذَا الْخَبَرُ صَحِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَكُنْ نَوَى الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ, وَلاَ أَنَّهُ عليه السلام أَصْبَحَ مُفْطِرًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ بَعْدَ ذَلِكَ, وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ لَقُلْنَا بِهِ, لَكِنْ فِيهِ: أَنَّهُ عليه السلام, كَانَ يُصْبِحُ مُتَطَوِّعًا صَائِمًا ثُمَّ يُفْطِرُ, وَهَذَا مُبَاحٌ عِنْدَنَا لاَ نَكْرَهُهُ, كَمَا فِي الْخَبَرِ, فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ مَا ذَكَرْنَا, وَكَانَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام لاَ صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَتْرُكَ هَذَا الْيَقِينَ لِظَنٍّ كَاذِبٍ. وَلَوْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَصْبَحَ مُفْطِرًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ نَهَارًا لَبَيَّنَهُ, كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ إذْ كَانَ فَرْضًا, وَالتَّسَمُّحُ فِي الدِّينِ لاَ يَحِلُّ, فإن قيل: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجِيءُ فَيَدْعُو بِالطَّعَامِ فَلاَ يَجِدُهُ فَيَفْرِضُ الصَّوْمَ. وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ قَانِعٍ رَاوِي كُلِّ بَلِيَّةٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ الْبَلْخِيّ عَنْ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصْبِحُ وَلَمْ يَجْمَعْ الصَّوْمَ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيَصُومُ قلنا: لَيْثٌ ضَعِيفٌ, وَيَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ: هَالِكٌ, وَمِنْ دُونِهِ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ, وَاَللَّهِ لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ. قال أبو محمد: أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَيُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الْجُمْهُورِ, وَخَالَفُوا هَاهُنَا الْجُمْهُورَ بِلاَ رِقْبَةٍ. وأما الْحَنَفِيُّونَ فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُمْ أَجَازَ أَنْ يُصْبِحَ فِي رَمَضَانَ عَامِدًا لاِِرَادَةِ الْفِطْرِ, ثُمَّ يَبْقَى كَذَلِكَ إلَى قَبْلِ زَوَالِ الشَّمْسِ ثُمَّ يَنْوِي الصِّيَامَ حِينَئِذٍ وَيُجْزِئُهُ, وَادَّعَوْا الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لاَ تُجْزِئُ النِّيَّةُ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فِي ذَلِكَ قَدْ كَذَبُوا, وَلاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْكَذِبِ, وَقَدْ صَحَّ هَذَا عَنْ حُذَيْفَةَ نَصًّا, وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِطْلاَقٍ, وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَصًّا, وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَصًّا, وَعَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ كَذَلِكَ, وَعَنْ الْحَسَنِ, وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. قال أبو محمد: وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ مَزَجَ نِيَّةَ صَوْمٍ فُرِضَ بِفَرْضٍ آخَرَ أَوْ بِتَطَوُّعٍ, أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي صَلاَةٍ أَوْ زَكَاةٍ, أَوْ حَجٍّ, أَوْ عُمْرَةٍ, أَوْ عِتْقٍ: لَمْ يُجْزِهِ لِشَيْءٍ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ وَبَطَلَ ذَلِكَ الْعَمَلُ كُلُّهُ, صَوْمًا كَانَ أَوْ صَلاَةً, أَوْ زَكَاةً, أَوْ حَجًّا, أَوْ عُمْرَةً أَوْ عِتْقًا, إلاَّ مَزْجُ الْعُمْرَةِ بِالْحَجِّ لِمَنْ أَحْرَمَ وَمَعَهُ الْهَدْيُ فَقَطْ, فَهُوَ حُكْمُهُ اللاَّزِمُ لَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ صَلَّى, وَهُوَ مُسَافِرٌ رَكْعَتَيْنِ نَوَى بِهِمَا الظُّهْرَ وَالتَّطَوُّعَ مَعًا أَوْ صَامَ يَوْمًا مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ يَنْوِي بِهِ قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ وَالتَّطَوُّعَ مَعًا وَأَعْطَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي زَكَاةِ مَالِهِ وَنَوَى بِهِ الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ مَعًا, أَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةِ الإِسْلاَمِ وَنَوَى بِهَا الْفَرِيضَةَ وَالتَّطَوُّعَ مَعًا: فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ مِنْ صَلاَةِ الْفَرْضِ وَصَوْمِ الْفَرْضِ, وَزَكَاةِ الْفَرْضِ, وَحَجَّةِ الْفَرْضِ, وَيَبْطُلُ التَّطَوُّعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَمَّا الصَّلاَةُ فَتَبْطُلُ، وَلاَ تُجْزِئُهُ, لاَ عَنْ فَرْضٍ، وَلاَ عَنْ تَطَوُّعٍ وأما الزَّكَاةُ, وَالصَّوْمُ فَيَكُونُ فِعْلُهُ ذَلِكَ تَطَوُّعًا فِيهِمَا جَمِيعًا, وَيَبْطُلُ الْفَرْضُ وأما الْحَجُّ فَيُجْزِئُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَيَبْطُلُ التَّطَوُّعُ. فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْقَطَ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ وَمَا نَدْرِي مِمَّنْ الْعَجَبُ أَمِمَّنْ أَطْلَقَ لِسَانَهُ بِمِثْلِهَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ بِالإِهْذَارِ وَيَخُصُّ مَا يَشَاءُ, وَيُبْطِلُ بِالتَّخَالِيطِ, أَوْ مِمَّنْ قَلَّدَ قَائِلَهَا, وَأَفْنَى عُمُرَهُ فِي دَرْسِهَا وَنَصْرِهَا مُتَدَيِّنًا بِهَا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ; وَنَسْأَلُهُ إدَامَةَ السَّلاَمَةِ وَالْعِصْمَةِ, وَنَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ بِذَلِكَ عَلَيْنَا كَثِيرًا. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ, أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ جَعَلَ عَلَيْهِ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ: إنْ شَاءَ صَامَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ, وَأَجْزَأَ عَنْهُ يَعْنِي مَنْ فَرَضَهُ وَنَذَرَهُ; قَالَ مُجَاهِدٌ: وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَصَامَ تَطَوُّعًا فَهُوَ قَضَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ. وَمَنْ نَوَى وَهُوَ صَائِمٌ إبْطَالَ صَوْمِهِ بَطَلَ إذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ ذَاكِرًا لأَِنَّهُ فِي صَوْمٍ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ، وَلاَ شَرِبَ، وَلاَ وَطِئَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَنْ نَوَى إبْطَالَ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الصَّوْمِ فَلَهُ مَا نَوَى بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام الَّذِي لاَ تَحِلُّ مُعَارَضَتُهُ, وَهُوَ قَدْ نَوَى بُطْلاَنَ الصَّوْمِ, فَلَهُ بُطْلاَنُهُ, فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لأَِنَّهُ فِي صَوْمٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا, لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَنْ نَوَى إبْطَالَ صَلاَةٍ هُوَ فِيهَا, أَوْ حَجٍّ هُوَ فِيهِ, وَسَائِرُ الأَعْمَالِ كُلِّهَا كَذَلِكَ, فَلَوْ نَوَى ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ صَوْمِهِ أَوْ أَعْمَالِهِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ آثِمًا, وَلَمْ يُبْطِلْ بِذَلِكَ شَيْئًا مِنْهَا; لأَِنَّهَا كُلَّهَا قَدْ صَحَّتْ وَتَمَّتْ كَمَا أُمِرَ, وَمَا صَحَّ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُبْطِلَ بِغَيْرِ نَصٍّ فِي بُطْلاَنِهِ, وَالْمَسْأَلَةُ الآُولَى لَمْ يُتِمَّ عَمَلَهُ فِيهَا كَمَا أُمِرَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَيُبْطِلُ الصَّوْمَ: تَعَمُّدُ الأَكْلِ, أَوْ تَعَمُّدُ الشُّرْبِ, أَوْ تَعَمُّدُ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ; أَوْ تَعَمُّدُ الْقَيْءِ وَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ, وَسَوَاءٌ قَلَّ مَا أَكَلَ أَوْ كَثُرَ, أَخْرَجَهُ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ خَارِجِ فَمِهِ فَأَكَلَهُ. وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا, إلاَّ فِيمَا نَذْكُرُهُ, مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَمَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا حَبِيبُ بْنُ خَلَفٍ الْبُخَارِيُّ، حدثنا أَبُو ثَوْرٍ إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا مُعَلَّى، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حدثنا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ, وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ. وَرُوِّينَا هَذَا أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ, وَعَلِيٍّ وَعَلْقَمَةَ. قَالَ عَلِيٌّ: عِيسَى بْنُ يُونُسَ: ثِقَةٌ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ مَنْ تَعَمَّدَ أَنْ يَتَقَيَّأَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ فِيهِ لَمْ يَبْطُلْ بِذَلِكَ صَوْمُهُ, فَإِنْ كَانَ مِلْءَ فِيهِ فَأَكْثَرَ, بَطَلَ صَوْمُهُ, وَهَذَا خِلاَفٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ سَخَافَةِ التَّحْدِيدِ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ, وَالْمَالِكِيُّونَ: مَنْ خَرَجَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ شَيْءٌ مِنْ بَقِيَّةِ سَحُورِهِ كَالْجَذِيذَةِ وَشَيْءٌ مِنْ اللَّحْمِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَبَلَعَهُ عَامِدًا لِبَلْعِهِ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَصَوْمُهُ تَامٌّ, وَمَا نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ لأَِحَدٍ قَبْلَهُمَا وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِهَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَيْءٌ قَدْ أُكِلَ بَعْدُ, وَإِنَّمَا حَرُمَ مَا لَمْ يُؤْكَلْ فَكَانَ الاِحْتِجَاجُ أَسْقَطَ وَأَوْحَشَ مِنْ الْقَوْلِ الْمُحْتَجِّ لَهُ وَمَا عَلِمْنَا شَيْئًا أُكِلَ فَيُمْكِنُ وُجُودُهُ بَعْدَ الأَكْلِ, إلاَّ أَنْ يَكُونَ قَيْئًا أَوْ عَذِرَةً وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلاَءِ وَحَدَّ بَعْضُ الْحَنَفِيِّينَ الْمِقْدَارَ الَّذِي لاَ يَضُرُّ تَعَمُّدُ أَكْلِهِ فِي الصَّوْمِ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ دُونَ مِقْدَارِ الْحِمَّصَةِ. فَكَانَ هَذَا التَّحْدِيدُ طَرِيفًا جِدًّا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ, فَأَيُّ الْحِمَّصِ هُوَ الإِمْلِيسِيُّ الْفَاخِرُ, أَمْ الصَّغِيرُ فَإِنْ قَالُوا قِسْنَاهُ عَلَى الرِّيقِ قلنا لَهُمْ: فَمِنْ أَيْنَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ بِخِلاَفِ الرِّيقِ وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ لَهُ مِطْحَنَةٌ كَبِيرَةٌ مَثْقُوبَةٌ فَدَخَلَتْ فِيهَا مِنْ سَحُورِهِ زَبِيبَةٌ, أَوْ بَاقِلاَءُ فَأَخْرَجَهَا يَوْمًا آخَرَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ صَائِمٌ: أَلَهُ تَعَمُّدُ بَلْعِهَا أَمْ لاَ فَإِنْ مَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ تَنَاقَضُوا, وَإِنْ أَبَاحُوا سَأَلْنَاهُمْ عَنْ جَمِيعِ طَوَاحِينِهِ وَهِيَ ثِنْتَا عَشْرَةَ مِطْحَنَةً مَثْقُوبَةٌ كُلُّهَا فَامْتَلاََتْ سِمْسِمًا أَوْ زَبِيبًا أَوْ قُنَّبًا أَوْ حِمَّصًا أَوْ بَاقِلاً أَوْ خُبْزًا أَوْ زَرِيعَةَ كَتَّانٍ فَإِنْ أَبَاحُوا تَعَمُّدَ أَكْلِ ذَلِكَ كُلِّهِ حَصَّلُوا أُعْجُوبَةً وَإِنْ مَنَعُوا مِنْهُ تَنَاقَضُوا وَتَحَكَّمُوا فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ. وَإِنَّمَا الْحَقُّ الْوَاضِحُ فَإِنَّ كُلَّ مَا سُمِّيَ أَكْلاً أَيُّ شَيْءٍ كَانَ فَتَعَمُّدُهُ يُبْطِلُ الصَّوْمَ, وأما الرِّيقُ فَقَلَّ أَوْ كَثُرَ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنْ تَعَمَّدَ ابْتِلاَعَهُ لاَ يَنْقُضُ الصَّوْمَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ قَلَّدَ أَبَا حَنِيفَةَ, وَمَالِكًا فِي هَذَا, وَلَمْ يُقَلِّدْ مِنْ سَاعَةٍ مَنْ سَاعَاتِهِ خَيْرٌ مِنْ دَهْرِهِمَا كُلِّهِ وَهُوَ أَبُو طَلْحَةَ, الَّذِي رُوِّينَا بِأَصَحِّ طَرِيقٍ عَنْ شُعْبَةَ, وَعِمْرَانَ الْقَطَّانِ كِلاَهُمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ يَأْكُلُ الْبَرْدَ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَ عِمْرَانُ فِي حَدِيثِهِ: وَيَقُولُ: لَيْسَ طَعَامًا، وَلاَ شَرَابًا وَقَدْ سَمِعَهُ شُعْبَةُ مِنْ قَتَادَةَ, وَسَمِعَهُ قَتَادَةُ مِنْ أَنَسٍ; وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يُحَصِّلُونَ . وَيُبْطِلُ الصَّوْمَ أَيْضًا تَعَمُّدُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ أَيِّ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ, لاَ نُحَاشِ شَيْئًا إذَا فَعَلَهَا عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ, كَمُبَاشَرَةِ مَنْ لاَ يَحِلُّ لَهُ مِنْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ, أَوْ تَقْبِيلِ امْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ الْمُبَاحَتَيْنِ لَهُ مِنْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ, أَوْ إتْيَانٍ فِي دُبُرِ امْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا, أَوْ كَذِبٍ, أَوْ غِيبَةٍ, أَوْ نَمِيمَةٍ, أَوْ تَعَمُّدِ تَرْكِ صَلاَةٍ, أَوْ ظُلْمٍ, أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا حَرُمَ عَلَى الْمَرْءِ فِعْلُهُ بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ هُوَ السَّمَّانُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ, وَلاَ يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ, فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلاَ يَرْفُثْ، وَلاَ يَجْهَلْ, فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ، حدثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى عَلَى امْرَأَتَيْنِ صَائِمَتَيْنِ تَغْتَابَانِ النَّاسَ فَقَالَ لَهُمَا: قِيئَا, فَقَاءَتَا قَيْحًا وَدَمًا وَلَحْمًا عَبِيطًا, ثُمَّ قَالَ عليه السلام: هَا إنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا عَنْ الْحَلاَلِ وَأَفْطَرَتَا عَلَى الْحَرَامِ. قال أبو محمد: فَنَهَى عليه السلام عَنْ الرَّفَثِ وَالْجَهْلِ فِي الصَّوْمِ, فَكَانَ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ لَمْ يَصُمْ كَمَا أُمِرَ, وَمَنْ لَمْ يَصُمْ كَمَا أُمِرَ, فَلَمْ يَصُمْ, لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالصِّيَامِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ, وَهُوَ السَّالِمُ مِنْ الرَّفَثِ وَالْجَهْلِ, وَهُمَا اسْمَانِ يَعُمَّانِ كُلَّ مَعْصِيَةٍ; وَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّ مَنْ لَمْ يَدَعْ الْقَوْلَ بِالْبَاطِلِ وَهُوَ الزُّورُ وَلَمْ يَدَعْ الْعَمَلَ بِهِ فَلاَ حَاجَةَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي تَرْكِ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ. فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يَرْضَى صَوْمَهُ ذَلِكَ، وَلاَ يَتَقَبَّلُهُ, وَإِذَا لَمْ يَرْضَهُ، وَلاَ قَبِلَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ سَاقِطٌ; وَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّ الْمُغْتَابَةَ مُفْطِرَةٌ وَهَذَا مَا لاَ يَسَعُ أَحَدًا خِلاَفُهُ وَقَدْ كَابَرَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنَّمَا يَبْطُلُ أَجْرُهُ لاَ صَوْمُهُ قال أبو محمد: فَكَانَ هَذَا فِي غَايَةِ السَّخَافَةِ وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ أَحْبَطَ اللَّهُ تَعَالَى أَجْرَ عَامِلِهِ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَحْتَسِبْ لَهُ بِذَلِكَ الْعَمَلَ، وَلاَ قَبِلَهُ, وَهَذَا هُوَ الْبُطْلاَنُ بِعَيْنِهِ بِلاَ مِرْيَةٍ وَبِهَذَا يَقُولُ السَّلَفُ الطَّيِّبُ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ, وَهُشَيْمٌ كِلاَهُمَا عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ, قَالَ هُشَيْمٌ: عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَيْسَ الصِّيَامُ مِنْ الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ وَحْدَهُ; وَلَكِنَّهُ مِنْ الْكَذِبِ, وَالْبَاطِلِ وَاللَّغْوِ وَعَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلُهُ نَصًّا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ قَالَ جَابِرٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إذَا صُمْت فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ, وَبَصَرُكَ, وَلِسَانُكَ عَنْ الْكَذِبِ وَالْمَأْثَمِ, وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ, وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ, وَلاَ تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَيَوْمَ صَوْمِكَ سَوَاءً. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ هُوَ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ أَخِيهِ طَلِيقِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: إذَا صُمْت فَتَحَفَّظْ مَا اسْتَطَعْت, فَكَانَ طَلِيقٌ إذَا كَانَ يَوْمُ صِيَامِهِ دَخَلَ فَلَمْ يَخْرُجْ إلاَّ إلَى صَلاَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ حَمَّادٍ الْبَكَّاءِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إذَا اغْتَابَ الصَّائِمُ أَفْطَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمِ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَصْحَابُهُ إذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسْجِدِ وَقَالُوا: نُطَهِّرُ صِيَامَنَا فَهَؤُلاَءِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم: عُمَرُ, وَأَبُو ذَرٍّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ, وَأَنَسٌ, وَجَابِرٌ, وَعَلِيٌّ: يَرَوْنَ بُطْلاَنَ الصَّوْمِ بِالْمَعَاصِي, لأَِنَّهُمْ خَصُّوا الصَّوْمَ بِاجْتِنَابِهَا وَإِنْ كَانَتْ حَرَامًا عَلَى الْمُفْطِرِ, فَلَوْ كَانَ الصِّيَامُ تَامًّا بِهَا مَا كَانَ لِتَخْصِيصِهِمْ الصَّوْمَ بِالنَّهْيِ عَنْهَا مَعْنًى, وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَمِنْ التَّابِعِينَ: مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَا أَصَابَ الصَّائِمُ شَوًى إلاَّ الْغِيبَةَ, وَالْكَذِبَ. وَعَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ; مَا لَمْ يَخْرِقْهَا صَاحِبُهَا, وَخَرْقُهَا: الْغِيبَةُ وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: إنَّ أَهْوَنَ الصَّوْمِ تَرْكُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: الْكَذِبُ يُفْطِرُ الصَّائِمَ قال أبو محمد: وَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَ هَذَا عَنْ الأَكْلِ لِلَحْمِ الْخِنْزِيرِ, وَالشُّرْبِ لِلْخَمْرِ عَمْدًا: أَيُفْطِرُ الصَّائِمَ أَمْ لاَ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: نَعَمْ فَنَقُولُ لَهُمْ: وَلِمَ ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا: لأَِنَّهُ مَنْهِيٌّ عنهما فِيهِ قلنا لَهُمْ: وَكَذَلِكَ الْمَعَاصِي; لأَِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي الصَّوْمِ أَيْضًا بِالنَّصِّ الَّذِي ذَكَرْنَا. فَإِنْ قَالُوا: وَغَيْرُ الصَّائِمِ أَيْضًا مَنْهِيٌّ عَنْ الْمَعَاصِي قلنا لَهُمْ: وَغَيْرُ الصَّائِمِ أَيْضًا مَنْهِيٌّ عَنْ الْخَمْرِ, وَالْخِنْزِيرِ, وَلاَ فَرْقَ فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا نُهِيَ عَنْ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَلاَ نُبَالِي أَيَّ شَيْءٍ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قلنا: وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ الْمَعَاصِي فِي صَوْمِهِ، وَلاَ نُبَالِي بِمَا عَصَى, أَبِأَكْلٍ وَشُرْبٍ, أَمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا أَفْطَرَ بِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِلإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ مُفْطِرٌ بِهِمَا قلنا: فَلاَ تُبْطِلُوا الصَّوْمَ إلاَّ بِمَا أُجْمِعَ عَلَى بُطْلاَنِهِ بِهِ وَهَذَا يُوجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تُبْطِلُوهُ بِأَكْلِ الْبَرَدِ، وَلاَ بِكَثِيرٍ مِمَّا أَبْطَلْتُمُوهُ بِهِ كَالسَّعُوطِ وَالْحُقْنَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الأَكْلِ وَالشُّرْبِ قلنا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ, ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا فَاسِدًا مِنْ الْقِيَاسِ وَكَانَ أَصَحُّ أُصُولِكُمْ أَنْ تَقِيسُوا بُطْلاَنَ الصَّوْمِ بِجَمِيعِ الْمَعَاصِي عَلَى بُطْلاَنِهِ بِالْمَعْصِيَةِ بِالأَكْلِ, وَالشُّرْبِ, وَهَذَا مَا لاَ مُخَلِّصَ مِنْهُ. فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ اجْتِنَابُ الْمَعَاصِي مِنْ شُرُوطِ الصَّوْمِ قلنا: كَذَبْتُمْ لأَِنَّ النَّصَّ قَدْ صَحَّ بِأَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ الصَّوْمِ كَمَا أَوْرَدْنَا. فَإِنْ قَالُوا: تِلْكَ الأَخْبَارُ زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ قلنا: وَإِبْطَالُكُمْ الصَّوْمَ بِالسَّعُوطِ وَالْحُقْنَةِ, وَالإِمْنَاءِ مَعَ التَّقْبِيلِ زِيَادَةٌ فَاسِدَةٌ بَاطِلَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ فَتَرَكْتُمْ زِيَادَةَ الْحَقِّ, وَأَثْبَتُّمْ زِيَادَةَ الْبَاطِلِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . فَمَنْ تَعَمَّدَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ, وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي نَذْرٍ مُعَيَّنٍ, إلاَّ فِي تَعَمُّدِ الْقَيْءِ خَاصَّةً فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ فِي تَعَمُّدِ الْقَيْءِ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَسْأَلَتَيْنِ; وَلَمْ يَأْتِ فِي فَسَادِ الصَّوْمِ بِالتَّعَمُّدِ لِلأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ أَوْ الْوَطْءِ: نَصٌّ بِإِيجَابِ الْقَضَاءِ, وَإِنَّمَا افْتَرَضَ تَعَالَى رَمَضَانَ لاَ غَيْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ, فَإِيجَابُ صِيَامِ غَيْرِهِ بَدَلاً مِنْهُ إيجَابُ شَرْعٍ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ, فَهُوَ بَاطِلٌ, وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوجِبَ اللَّهُ تَعَالَى صَوْمَ شَهْرٍ مُسَمًّى فَيَقُولُ قَائِلٌ: إنَّ صَوْمَ غَيْرِهِ يَنُوبُ عَنْهُ, بِغَيْرِ نَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ: وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: إنَّ الْحَجَّ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ يَنُوبُ عَنْ الْحَجِّ إلَى مَكَّةَ, وَالصَّلاَةَ إلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ تَنُوبُ عَنْ الصَّلاَةِ إلَى الْكَعْبَةِ, وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا كُلَّ مُفْطِرٍ بِعَمْدٍ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُتَّقِي عَمْدًا قلنا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ, ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ; لأَِنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ نَقَضَ هَذَا الْقِيَاسَ فَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يَقِسْ الْمُفْطِرَ عَمْدًا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْقَيْءِ عَمْدًا فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ عنهم كَسُقُوطِهَا عَنْ الْمُتَّقِي عَمْدًا, وَهُمْ الْحَنَفِيُّونَ, وَالْمَالِكِيُّونَ, وَالشَّافِعِيُّونَ: قَاسُوهُمْ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْقَيْءِ عَمْدًا, وَلَمْ يَقِيسُوهُمْ كُلَّهُمْ عَلَى الْمُجَامِعِ عَمْدًا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ; فَقَدْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ الَّذِي يَدَّعُونَ فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُسَوِّي بَيْنَ الْكُلِّ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ كُلِّمَ فِي إبْطَالِ الْقِيَاسِ فَقَطْ. فَإِنْ ذَكَرُوا أَخْبَارًا وَرَدَتْ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِلْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ قِيلَ: تِلْكَ آثَارٌ لاَ يَصِحُّ فِيهَا شَيْءٌ: لأَِنَّ أَحَدَهَا: مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الَّذِي أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِالْكَفَّارَةِ وَأَنْ يَصُومَ يَوْمًا وَأَبُو أُوَيْسٍ ضَعِيفٌ, ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ. وَالثَّانِي: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِأَنْ يَصُومَ يَوْمًا وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ, وَابْنُ مَعِينٍ, وَغَيْرُهُمَا, وَلَمْ يَسْتَجِزْ الرِّوَايَةَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ. وَالثَّالِثُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ اقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ: ضَعِيفٌ, ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ, وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ, وَقَالَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَالرَّابِعُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ الْوَاطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا مَكَانَهُ وَهَذَا أَسْقَطَهَا كُلَّهَا لأَِنَّ الْحَجَّاجَ لاَ شَيْءَ, ثُمَّ هِيَ صَحِيفَةٌ وَرُوِّينَاهُ مُرْسَلاً مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ; كُلِّهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِقَضَاءِ يَوْمٍ. وَهَذَا كُلُّهُ مُرْسَلٌ, وَلاَ تَقُومُ بِالْمُرْسَلِ حُجَّةٌ وَتَاللَّهِ لَوْ صَحَّ مِنْهَا خَبَرٌ وَاحِدٌ مُسْنَدٌ مِنْ طَرِيقِ الثِّقَاتِ لَسَارَعْنَا إلَى الْقَوْلِ بِهِ فَإِنْ لَجُّوا وَقَالُوا: الْمُرْسَلُ حُجَّةٌ, وَلاَ نُضَعِّفُ الْمُحَدِّثِينَ قلنا لَهُمْ: فَلاَ عَلَيْكُمْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ، حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُطَرِّفُ بْنُ قَيْسٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حدثنا مَالِكٌ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضْرِبُ نَحْرَهُ وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ وَيَقُولُ: هَلَكَ الأَبْعَدُ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا ذَاكَ قَالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعْتِقَ رَقَبَةً قَالَ: لاَ, قَالَ: تَسْتَطِيعُ أَنْ تُهْدِيَ بَدَنَةً قَالَ: لاَ, قَالَ: فَاجْلِسْ فَأُتِيَ بِعَرَقِ تَمْرٍ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: فَلْيَأْخُذُوا بِالْبَدَنَةِ فِي الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ; وَإِلاَّ فَالْقَوْمُ مُتَلاَعِبُونَ وَقُلْنَا لَهُمْ: لَوْ أَرَدْنَا التَّعَلُّقَ بِمَا لاَ يَصِحُّ لَوَجَدْنَا خَيْرًا مِنْ كُلِّ خَبَرٍ تَعَلَّقْتُمْ بِهِ هَاهُنَا, كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالاَ جَمِيعًا حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ حَدَّثَنِي أَبُو الْمُطَوِّسِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : )) مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ، وَلاَ مَرَضٍ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ: وَأَنْبَأَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي الْمُطَوِّسِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ رَخَّصَهَا اللَّهُ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ: أَنْبَأَنَا مَحْمُودُ بْنُ غِيلاَنَ، حدثنا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، حدثنا شُعْبَةُ, قَالَ: أَخْبَرَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْت عُمَارَةَ بْنَ عُمَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الْمُطَوِّسِ, قَالَ حَبِيبٌ: وَقَدْ رَأَيْت أَبَا الْمُطَوِّسِ. فَصَحَّ لِقَاؤُهُ إيَّاهُ فَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ كُلِّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ وأما نَحْنُ فَلاَ نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ; لأَِنَّ أَبَا الْمُطَوِّسِ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ, وَيُعِيذُنَا اللَّهُ مِنْ أَنَّ نَحْتَجَّ بِضَعِيفٍ إذَا وَافَقْنَا, وَنَرُدُّهُ إذَا خَالَفَنَا وَقَالَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا أَفَاضِلُ السَّلَفِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما فِيمَا أَوْصَاهُ بِهِ: مَنْ صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَلَوْ صَامَ الدَّهْرَ أَجْمَعَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أُتِيَ بِشَيْخٍ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ, فَقَالَ لِلْمَنْخَرَيْنِ لِلْمَنْخَرَيْنِ وِلْدَانُنَا صِيَامٌ ثُمَّ ضَرَبَهُ ثَمَانِينَ وَصَيَّرَهُ إلَى الشَّامِ. قال أبو محمد: وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً، وَلاَ كَفَّارَةً وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِالنَّجَاشِيِّ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ, فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ, ثُمَّ ضَرَبَهُ مِنْ الْغَدِ عِشْرِينَ, وَقَالَ: ضَرَبْنَاكَ الْعِشْرِينَ لِجُرْأَتِكَ عَلَى اللَّهِ وَإِفْطَارِكَ فِي رَمَضَانَ قَالَ عَلِيٌّ: وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً, وَلاَ كَفَّارَةًوَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَعْلَى الثَّقَفِيِّ. عَنْ عَرْفَجَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا لَمْ يَقْضِهِ أَبَدًا طُولُ الدَّهْرِ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ لَمْ يُجْزِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ. وَبِأَصَحّ طَرِيقٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ, فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَوْمُ سَنَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ لَمْ يَقْضِهِ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا. قال أبو محمد: مِنْ أَصْلِ الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ يُجَاحِشُونَ عَنْهُ وَيَتْرُكُونَ لَهُ السُّنَنَ: أَنَّ الْخَبَرَ إذَا خَالَفَهُ رَاوِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ دَلِيلاً عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ الْخَبَرِ أَوْ نَسْخِهِ, قَالُوا ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مُغَفَّلٍ, وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ, فَتَرَكُوهُ; لأَِنَّهُمْ ادَّعَوْا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ خَالَفَهُ; وَقَدْ كَذَبُوا فِي ذَلِكَ; بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ الْقَوْلُ بِهِ, وَهَذَا مَكَانٌ قَدْ خَالَفَ فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا رُوِيَ مِنْ هَذَا الْقَضَاءِ. وَخَالَفَهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى, فَرَأَى عَلَى مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ شَهْرٍ; فَيَنْبَغِي لَهُمْ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْخَبَرِ بِهَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنْ قَالُوا قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَغَيْرُ سَعِيدٍ قلنا: وَغَسْلُ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنْ قَالُوا مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا الْخَبَرُ وَيُفْتِي بِخِلاَفِهِ قلنا: فَقُولُوا هَذَا فِي خَبَرِ غَسْلِ الإِنَاءِ: مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الْخَبَرُ وَيُخَالِفُهُ وَهَذَا مَا لاَ مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ . وَلاَ قَضَاءَ إلاَّ عَلَى خَمْسَةٍ فَقَطْ وَهُمْ الْحَائِضُ, وَالنُّفَسَاءُ فَإِنَّهُمَا يَقْضِيَانِ أَيَّامَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ, لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَحَدٍ, وَالْمَرِيضُ, وَالْمُسَافِرُ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَالْمُتَقَيِّئُ عَمْدًا, بِالْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ, وَهَذَا كُلُّهُ أَيْضًا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْمَرِيضِ, وَالْمُسَافِرِ إذَا أَفْطَرَا, وَكُلُّهُمْ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى, لاَ إثْمَ عَلَيْهِمْ, إلاَّ الْمُتَقَيِّئَ, وَهُوَ ذَاكِرٌ; فَإِنَّهُ آثِمٌ، وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ . وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ فِطْرًا فِي رَمَضَانَ بِمَا لَمْ يُبَحْ لَهُ, إلاَّ مَنْ وَطِئَ فِي الْفَرْجِ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ الْمُبَاحِ لَهُ وَطْؤُهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فَقَطْ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ, عَلَى مَا نَصِفُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى, وَلاَ يُقَدَّرُ الْقَضَاءُ, لِمَا ذَكَرْنَا بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ إلاَّ عَلَى وَاطِئِ امْرَأَتِهِ عَامِدًا, وَاسْمُ امْرَأَتِهِ يَقَعُ عَلَى الأَمَةِ الْمُبَاحِ وَطْؤُهَا, كَمَا يَقَعُ عَلَى الزَّوْجَةِ, وَلاَ جَمْعَ لِلْمَرْأَةِ مِنْ لَفْظِهَا; لَكِنْ جَمْعُ الْمَرْأَةِ عَلَى نِسَاءٍ, وَلاَ وَاحِدَ لِلنِّسَاءِ مِنْ لَفْظِهِ, قَالَ تَعَالَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى, وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ , وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ, كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ, قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً قَالَ: لاَ, قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ: لاَ, قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لاَ ثُمَّ جَلَسَ, فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ, فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ, ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ. قال أبو محمد: هَكَذَا رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ, وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ, وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ, وَالأَوْزَاعِيُّ, وَمَعْمَرٌ, وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَخَالَفَ أَشْهَبُ فِي هَذَا اللَّفْظِ سَائِرَ أَصْحَابِ اللَّيْثِ فَلَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ عَلَى غَيْرِ مَنْ ذَكَرْنَا, وَقَدْ قَالَ عليه السلام: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلاَ يَحِلُّ مَالُ أَحَدِ بِغَيْرِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ. وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ إيجَابُ غَرَامَةٍ لَمْ يُوجِبْهَا الْقُرْآنُ، وَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَتَعَدَّى بِذَلِكَ حُدُودَ اللَّهِ, وَيُبِيحُ الْمَالَ الْمُحَرَّمَ, وَيُشَرِّعُ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى فإن قيل: فَلِمَ لَمْ تُوجِبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى كُلِّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فِطْرًا لَمْ يُبَحْ لَهُ, بِأَيِّ شَيْءٍ أَفْطَرَ بِمَا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ, وَابْنِ جُرَيْجٍ, وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ, كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ, وَمِنْ طَرِيقِ أَشْهَبَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ الزُّهْرِيِّ, ثُمَّ اتَّفَقُوا: عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ, فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ, أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ, أَوْ إطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَقَالَ: لاَ أَجِدُ, فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقِ تَمْرٍ, فَقَالَ: خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ أَجِدُ أَحْوَجَ إلَيْهِ مِنِّي فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ, وَقَالَ: كُلْهُ. قلنا: لأَِنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ, فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ, بِلاَ شَكٍّ, فَرَوَاهُ مَنْ ذَكَرْنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ مُجْمَلاً مُخْتَصَرًا, وَرَوَاهُ الآخَرُونَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ وَأَتَوْا بِلَفْظِ الْخَبَرِ كَمَا وَقَعَ, كَمَا سُئِلَ عليه السلام, وَكَمَا أَفْتَى, وَبَيَّنُوا فِيهِ أَنَّ تِلْكَ الْقَضِيَّةَ إنَّمَا كَانَتْ وَطْئًا لاِمْرَأَتِهِ, وَرَتَّبُوا الْكَفَّارَةَ كَمَا أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَحَالَ مَالِكٌ, وَابْنُ جُرَيْجٍ, وَيَحْيَى: صِفَةَ التَّرْتِيبِ, وَأَجْمَلُوا الأَمْرَ, وَأَتَوْا بِغَيْرِ لَفْظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَجُزْ الأَخْذُ بِمَا رَوَوْهُ مِنْ ذَلِكَ, مِمَّا هُوَ لَفْظٌ مِنْ دُونِ النَّبِيِّ عليه السلام مِمَّنْ اخْتَصَرَ الْخَبَرَ وَأَجْمَلَهُ, وَكَانَ الْفَرْضُ أَخْذُ فُتْيَا النَّبِيِّ عليه السلام كَمَا أَفْتَى بِهَا, بِنَصِّ كَلاَمِهِ فِيمَا أَفْتَى بِهِ فإن قيل: فَإِنَّا نَقِيسُ كُلَّ مُفْطِرٍ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْوَطْءِ; لأَِنَّهُ كُلُّهُ فِطْرٌ مُحَرَّمٌ قلنا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ, ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَاهُنَا هَذَا الْقِيَاسُ بَاطِلاً; لأَِنَّهُ قَدْ جَاءَ خَبَرُ الْمُتَقَيِّئِ عَمْدًا, وَفِيهِ الْقَضَاءُ, وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَفَّارَةً. فَمَا الَّذِي جَعَلَ قِيَاسَ سَائِرِ الْمُفْطِرِينَ عَلَى حُكْمِ الْوَاطِئِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى حُكْمِ الْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ وَالآكِلُ, وَالشَّارِبُ أَشَبَهُ بِالْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ مِنْهُمَا بِالْوَاطِئِ; لأَِنَّ فِطْرَهُمْ كُلَّهُمْ مِنْ حُلُوقِهِمْ لاَ مِنْ فُرُوجِهِمْ, بِخِلاَفِ الْوَاطِئِ; وَلاَِنَّ فِطْرَهُمْ كُلَّهُمْ لاَ يُوجِبُ الْغُسْلَ, بِخِلاَفِ فِطْرِ الْوَاطِئِ; فَهَذَا أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ, لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ كَفَّارَةَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِقَطْعِ صَلاَتِهِ; وَالصَّلاَةُ أَعْظَمُ حُرْمَةً وَآكَدُ مِنْ الصِّيَامِ, فَصَارَتْ الْكَفَّارَةُ خَارِجَةً عَنْ الأَصْلِ; فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ عَلَى خَبَرِهَا فَإِنْ قَالَ: إنِّي أُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ; لاَِنِّي أُدْخِلُهُ فِي جُمْلَةِ مَنْ أَفْطَرَ فَأُمِرَ بِالْكَفَّارَةِ, وَأَجْعَلُ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ, وَابْنُ جُرَيْجٍ, وَيَحْيَى عَنْ الزُّهْرِيِّ: زَائِدًا عَلَى مَا فِي خَبَرِ الْمُتَعَمِّدِ الْقَيْءَ قلنا: هَذَا لاَزِمٌ لِكُلِّ مَنْ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ خَبَرِ مَالِكٍ, وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ لاَزِمٌ لَهُ, وَإِلاَّ فَهُوَ مُتَنَاقِضٌ, وَقَدْ قَالَ بِهَذَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ, وَابْنِ الْمَاجِشُونِ, إلاَّ أَنَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا لَمْ يُكَلِّمْ إلاَّ فِي تَغْلِيبِ رِوَايَةِ سَائِرِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ الَّتِي قَدَّمْنَا عَلَى مَا اخْتَصَرَهُ هَؤُلاَءِ فَقَطْ. وَلَيْسَ إلاَّ قَوْلُنَا أَوْ قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ وَالْقَضَاءَ عَلَى كُلِّ مُفْطِرٍ, بِأَيِّ وَجْهٍ أَفْطَرَ, بِعُمُومِ رِوَايَةِ مَالِكٍ, وَابْنِ جُرَيْجٍ, وَيَحْيَى, وَبِالْقِيَاسِ جُمْلَةً عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْوَطْءِ وَبِالْقَيْءِ. وأما الْحَنَفِيُّونَ, وَالْمَالِكِيُّونَ, وَالشَّافِعِيُّونَ: فَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ أَصْلاً, وَلاَ بِالْقِيَاسِ, وَلاَ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ لأَِنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ فَتَعَدَّوْا مَا رَوَاهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ, وَأَسْقَطُوا الْكَفَّارَةَ عَنْ بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ, مِمَّا قَدْ أَوْجَبَهَا فِيهِ غَيْرُهُمْ, فَخَالَفُوا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ, وَيَحْيَى, وَابْنُ جُرَيْجٍ; فَخَالَفُوا كُلَّ لَفْظِ خَبَرٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ جُمْلَةً وَخَالَفُوا الْقِيَاسَ; إذْ لَمْ يُوجِبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ وَبِالْوَطْءِ, وَلَمْ يَتَّبِعُوا ظَاهِرَ الآثَارِ; إذْ أَوْجَبُوهَا عَلَى بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ عَلَى مَا نَذْكُرُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ بَعْدَ هَذَا; فَلاَ يَجُوزُ إيهَامُهُمْ بِأَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِشَيْءٍ مِنْ الآثَارِ, أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْقِيَاسِ: عَلَى مَنْ نَبَّهْنَاهُ عَلَى تَخَاذُلِ أَقْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد: وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا, فَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَسَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِذِكْرِهِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ, ثُمَّ نُعْقِبُ بِأَقْوَالِ الْحَنَفِيِّينَ, وَالْمَالِكِيِّينَ, وَالشَّافِعِيِّينَ, الَّتِي لاَ مُتَعَلِّقَ لَهَا بِالْقُرْآنِ، وَلاَ بِشَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ, وَالسُّنَنِ, لاَ صَحِيحِهَا، وَلاَ سَقِيمِهَا, وَلاَ بِإِجْمَاعٍ, وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ بِقِيَاسٍ, وَلاَ بِرَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ, وَلاَ بِاحْتِيَاطٍ, وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ كَفَّارَةَ عَلَى مُفْطِرٍ فِي رَمَضَانَ بِوَطْءٍ، وَلاَ بِغَيْرِهِ: رُوِّينَا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ, فِي رَجُلٍ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ, قَالَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ, وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ, وَحَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ, وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ, قَالَ حَمَّادُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ, وَقَالَ أَيُّوبُ, وَحَبِيبٌ وَهِشَامٌ كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. ثُمَّ اتَّفَقَ إبْرَاهِيمُ, وَابْنُ سِيرِينَ, فِيمَنْ وَطِئَ عَمْدًا فِي رَمَضَانَ: أَنَّهُ يَتُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى, وَيَتَقَرَّبُ إلَيْهِ مَا اسْتَطَاعَ, وَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ فِيمَنْ أَكَلَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ عَامِدًا, قَالَ: يَقْضِي يَوْمًا وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حدثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ: مَا يُكَفِّرُهُ فَقَالَ: مَا نَدْرِي مَا يُكَفِّرُهُ ذَنْبٌ أَوْ خَطِيئَةٌ, يَصْنَعُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ مَا يَشَاءُ وَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ وَمِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ: لَوْ كُنْت أَنَا لَصُمْت يَوْمًا مَكَانَهُ فَهَؤُلاَءِ: ابْنُ سِيرِينَ, وَالنَّخَعِيُّ, وَالشَّعْبِيُّ, وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لاَ يَرَوْنَ عَلَى الْوَاطِئِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا كَفَّارَةً وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِالْكَفَّارَةِ, ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقَانَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْكِلاَبِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابُ: صَوْمُ يَوْمٍ مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ وَإِطْعَامُ مِسْكِينٍ يَعْدِلُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ قال أبو محمد: وَعَهِدْنَاهُمْ يُقَلِّدُونَ عُمَرَ فِي أَجَلِ الْعِنِّينِ, وَفِي حَدِّ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ. وَلاَ يَصِحُّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ عَنْ عُمَرَ, فَلْيُقَلِّدُوهُ هَاهُنَا; فَهُوَ أَثْبَتُ عَنْهُ مِمَّا قَلَّدُوهُ وَلَكِنَّهُمْ مُتَحَكِّمُونَ بِالْبَاطِلِ فِي الدِّينِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ: قَرَأْت عَلَى فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي حَرِيزٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَيْفَعُ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَمَّنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ, أَوْ صَوْمُ شَهْرٍ, أَوْ إطْعَامُ ثَلاَثِينَ مِسْكِينًا, وَمَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ, وَسَمِعَ أَذَانَ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَجْمَعْ, وَلَيْسَ لَهُ عُذْرٌ: كَذَلِكَ عِتْقُ رَقَبَةٍ قال علي: وهذا قَوْلٌ لاَ نَصَّ فِيهِ, وَعَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ فِي مِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ: مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ, فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ, فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوهُ هَاهُنَا, وَإِلاَّ فَهُمْ مُتَلاَعِبُونَ بِالدِّينِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ, فِي رَجُلٍ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ: يَصُومُ ثَلاَثَةَ آلاَفِ يَوْمٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: أَنَا حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَأَلَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ عَنْ رَجُلٍ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَنْكِحُ فَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْتِقُ أَرْبَعَةَ رِقَابٍ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَأَرْبَعٌ مِنْ الْبُدْنِ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لِكُلِّ يَوْمٍ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ لِكُلِّ يَوْمٍ يَوْمَيْنِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَ هَذَا مُرْسَلاً عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الَّذِي وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي رَمَضَانَ: رَقَبَةٌ, ثُمَّ بَدَنَةٌ, ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ فِي الْعَرَقِ مِنْ التَّمْرِ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ وَاقَعَ أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ, فَقَالَ لَهُ عليه السلام: أَعْتِقْ رَقَبَةً قَالَ: لاَ أَجِدُ, قَالَ: أَهْدِ بَدَنَةً قَالَ: لاَ أَجِدُ, قَالَ: صُمْ شَهْرَيْنِ, قَالَ: لاَ أَسْتَطِيعُ, قَالَ: أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ: لاَ أَجِدُ, فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِكْتَلٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا بَيْنَهُمَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا, قَالَ: كُلْهُ أَنْتَ وَعِيَالُكَ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: أَنَا عُمَارَةُ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الَّذِي وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً قَالَ: لاَ أَجِدُ, قَالَ: أَهْدِ هَدْيًا قَالَ: لاَ أَجِدُهُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ فَإِنْ تَعَلَّلُوا فِي مُرْسَلِ سَعِيدٍ بِأَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ مَا رَوَاهُ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَعِيدٌ: كَذَبَ, إنَّمَا قُلْت لَهُ: تَصَدَّقْ تَصَدَّقْ: فَإِنَّ الْحَسَنَ وَقَتَادَةَ, وَعَطَاءً رَوَوْهُ أَيْضًا مُرْسَلاً وَفِيهِ الْهَدْيُ بِالْبَدَنَةِ. قال أبو محمد: عَهِدْنَا بِالْحَنَفِيِّينَ, وَالْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ, وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ طُرُقٍ, فَيَلْزَمُهُمْ الْقَوْلُ بِهِ; لأَِنَّهُ زَادَ عَلَى سَائِرِ الأَحَادِيثِ ذِكْرَ الْهَدْيِ. وَأَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ: فَإِنَّ الْبَدَنَةَ, وَالْهَدْيَ يُجْبَرُ بِهِمَا نَقْصُ الْحَجِّ; وَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا مِنْ الأَعْمَالِ يُجْبَرُ نَقْصُهُ بِكَفَّارَةٍ إلاَّ الْحَجَّ, وَالصَّوْمَ; فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْهَدْيِ فِي الصَّوْمِ مَدْخَلٌ كَمَا لَهُ فِي الْحَجِّ; وَلَكِنَّ الْقَوْمَ لاَ يَثْبُتُونَ عَلَى شَيْءٍ وأما نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ عِنْدَنَا أَصْلاً. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَجُلٍ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ عَامِدًا فَقَالَ: عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ, قُلْت: يَوْمَيْنِ قَالَ: صِيَامُ شَهْرٍ, قَالَ: فَعَدَدْت أَيَّامًا فَقَالَ: صِيَامُ شَهْرٍ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الَّذِي يُفْطِرُ مِنْ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا: عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: عَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَ شَهْرٌ قَالَ عَلِيٌّ: يَحْتَمِلُ هَذَا الْقَوْلُ أَنَّهُ أَرَادَ شَهْرًا شَهْرًا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ, وَيَحْتَمِلُ مَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ مِنْ أَنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَ شَهْرًا وَاحِدًا, وَهَذَا أَظْهَرُ وَأَوْلَى, لِتَيَقُّنِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِهَذَا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارِ قَالَ حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ الْكُوفِيُّ، حدثنا أَبُو غَسَّانَ، حدثنا مِنْدَلٌ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ. قَالَ عَلِيٌّ: مِنْدَلٌ ضَعِيفٌ, وَعَبْدُ الْوَارِثِ مَجْهُولٌ. وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ, وَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِهِ مَنْ لَمْ يُبَالِ بِالضُّعَفَاءِ; لأَِنَّهُ زَائِدٌ عَلَى سَائِرِ الأَخْبَارِ, وَيَلْزَمُ أَيْضًا الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ نِيَّةً وَاحِدَةً فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تُجْزِئُ لِجَمِيعِهِ; لأَِنَّهُ كُلُّهُ كَصَلاَةٍ وَاحِدَةٍ, وَكَيَوْمٍ وَاحِدٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ رَبِيعَةَ قَالَ: مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ صِيَامُ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا, لأَِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَخَيَّرَهُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلاَةً مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنْ يَقْضِيَ ثَلاَثِينَ أَلْفَ صَلاَةٍ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ, وَالْمَالِكِيُّونَ مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى, وَهُوَ أَقْوَالٌ لاَ تُؤَثِّرُ كَمَا هِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ: فأما الشَّافِعِيُّونَ: فَهُمْ أَقَلُّ الثَّلاَثِ الطِّبَاقِ تَنَاقُضًا; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لاَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى مُفْطِرٍ عَمْدًا فِي رَمَضَانَ إلاَّ عَلَى مَنْ جَامَعَ إنْسَانًا, أَوْ بَهِيمَةً فِي فَرْجٍ أَوْ دُبُرٍ, فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالإِيلاَجِ, أَمْنَى أَمْ لَمْ يُمْنِ; وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَهُ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَرَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمَوْطُوءَةِ كَفَّارَةً فِي أَشْهَرِ الأَقْوَالِ عَنْهُ, وَلاَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الأَكْلَ, وَالشُّرْبَ, أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ, وَلَمْ يَجْعَلْ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلاَّ الْقَضَاءَ فَقَطْ فَقَاسَ الْوَاطِئَ لاِمْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ عَلَى وَاطِئِ امْرَأَتِهِ, وَقَاسَ مَنْ أَتَى ذَكَرًا عَلَى مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ, وَقَاسَ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً عَلَى مَنْ أَتَى أَهْلَهُ, وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ. وَلَمْ يَقِسْ الآكِلَ, وَالشَّارِبَ, وَالْمُجَامِعَ دُونَ الْفَرْجِ فَيُمْنِي وَالْمَرْأَةَ الْمَوْطُوءَةَ: عَلَى الْوَاطِئِ امْرَأَتَهُ, وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَإِنْ قَالَ أَصْحَابُهُ: قِسْنَا الْجِمَاعَ عَلَى الْجِمَاعِ, وَالأَكْلَ وَالشُّرْبَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ قلنا: فَهَلاَّ قِسْتُمْ مُجَامِعَ الْبَهِيمَةِ عَلَى مُجَامِعِ الْمَرْأَةِ فِي إيجَابِ الْحَدِّ كَمَا قِسْتُمُوهُ عَلَيْهِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَهَلاَّ قِسْتُمْ الْمَرْأَةَ الْمَوْطُوءَةَ عَلَى الرَّجُلِ الْوَاطِئِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فَهُوَ وَطْءٌ وَاحِدٌ, هُمَا فِيهِ مَعًا وَهَلاَّ قِسْتُمْ الْمُجَامِعَ دُونَ الْفَرْجِ عَامِدًا فَيُمْنِي عَلَى الْمُجَامِعِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فَهَذَا أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْهُ إلَى الآكِلِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ قَبِيحٌ فِي الْقِيَاسِ جِدًّا وأما الْمَالِكِيُّونَ: فَتَنَاقُضُهُمْ أَشَدُّ, وَهُوَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ, وَالْقَضَاءَ: عَلَى الْمُفْطِرِ بِالأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ, وَعَلَى مَنْ قَبَّلَ فَأَمْنَى; أَوْ بَاشَرَ فَأَمْنَى; أَوْ تَابَعَ النَّظَرَ فَأَمْنَى; وَعَلَى مَنْ أَكَلَ, أَوْ شَرِبَ, أَوْ جَامَعَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ; وَعَلَى مَنْ نَوَى الْفِطْرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ، وَلاَ شَرِبَ, وَلاَ جَامَعَ, إذَا نَوَى ذَلِكَ أَكْثَرَ النَّهَارِ; وَعَلَى الْمَرْأَةِ تَمَسُّ فَرْجَهَا عَامِدَةً فَتُنْزِلُ وَرَأَى عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُكْرَهَةِ عَلَى الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ الْقَضَاءَ, وَأَوْجَبَ عَلَى الْوَاطِئِ لَهَا الْكَفَّارَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَكَفَّارَةً أُخْرَى عَنْهَا. وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهَا إنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَفَّارَةً، وَلاَ عَلَى الَّتِي جُومِعَتْ نَائِمَةً, وَلاَ عَلَيْهَا، وَلاَ عَلَيْهِ عَنْهَا وَهَذَا تَنَاقُضٌ نَاهِيكَ بِهِ وَلَئِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا فَمَا يُجْزِئُ أَنْ تُوجَبَ الْكَفَّارَةُ عَلَى غَيْرِهَا وَلَئِنْ لَمْ تَكُنْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا فَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَجِبَ عَلَى غَيْرِهَا عَنْهَا وَأَبْطَلُوا صِيَامَ مَنْ قَبَّلَ فَأَنْعَظَ, أَوْ أَمْذَى وَلَمْ يُمْنِ أَوْ بَاشَرَ أَوْ لَمَسَ فَأَمْذَى وَلَمْ يُمْنِ. وَمَنْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ غَيْرِ عَامِدٍ لِذَلِكَ وَتَابَعَ النَّظَرَ فَأَمْذَى وَلَمْ يُمْنِ, أَوْ نَظَرَ نَظْرَةً وَلَمْ يُتَابِعْ النَّظَرَ فَأَمْنَى, وَمَنْ تَمَضْمَضَ فِي صِيَامِ نَهَارِ رَمَضَانَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ عَنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ, وَمَنْ أَكَلَ نَاسِيًا أَوْ وَطِئَ نَاسِيًا, أَوْ كَانَ ذَلِكَ وَهُوَ لاَ يُوقِنُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِذَا بِالْفَجْرِ قَدْ طَلَعَ, أَوْ كَانَ ذَلِكَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ, وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ لَمْ يُوقِنْ بِأَنَّهُ طَلَعَ، وَلاَ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ, وَمَنْ أَقَامَ مَجْنُونًا يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَيَّامًا, أَوْ رَمَضَانَ كُلَّهُ, أَوْ عِدَّةَ شُهُورِ رَمَضَانَ مِنْ عِدَّةِ سِنِينَ, وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ النَّهَارِ, وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ, وَالْمُرْضِعُ تَخَافُ عَلَى رَضِيعِهَا; وَالْمَرْأَةُ تُجَامَعُ نَائِمَةً, وَالْمُكْرَهُ عَلَى الأَكْلِ وَالشُّرْبِ, وَمَنْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءُ وَهُوَ نَائِمٌ, وَمَنْ احْتَقَنَ, وَمَنْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ فِيهِ عَقَاقِيرُ, وَمَنْ بَلَعَ حَصَاةً. وَأَوْجَبُوا عَلَى كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا الْقَضَاءَ, وَلَمْ يَرَوْا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةً. وَهَذَا تَنَاقُضٌ لاَ وَجْهَ لَهُ أَصْلاً, لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ. وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ, وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ, وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ, أَوْ تَابِعٍ, وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ, وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَلاَ يُعْرَفُ هَذَا التَّقْسِيمُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَقَدْ رَأَيْنَا بَعْضَ مُقَلِّدِيهِ يُوجِبُونَ عَلَى طَحَّانِي الدَّقِيقِ, وَالْحِنَّاءِ وَمُغَرْبِلِي الْكَتَّانِ وَالْحُبُوبِ: الْقَضَاءَ, وَيُبْطِلُونَ صَوْمَهُمْ, وَلاَ يُوجِبُونَ عَلَيْهِمْ فِي تَعَمُّدِ ذَلِكَ كَفَّارَةً وَيَدَّعُونَ أَنَّ هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ وَهَذَا تَخْلِيطٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ وَيَلْزَمُهُمْ إبْطَالُ صَوْمِ كُلِّ مَنْ سَافَرَ فَمَشَى فِي غَبَرَةٍ عَلَى هَذَا وَلَمْ يُبْطِلْ صَوْمَ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فَلَمْ يُنْعِظْ، وَلاَ أَمْذَى، وَلاَ أَمْنَى, وَلاَ صَوْمَ مَنْ أَمْنَى مِنْ نَظَرٍ، وَلاَ لَمَسَ, وَلاَ صَوْمَ تَطَوُّعٍ بِدُخُولِ الْمَاءِ فِي حَلْقِ فَاعِلِهِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ, وَلاَ صَوْمَ مُتَطَوِّعٍ صُبَّ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ وَهُوَ نَائِمٌ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ وَاحِدٌ يُبْطِلُ صَوْمَ الْفَرْضِ، وَلاَ يُبْطِلُ صَوْمَ التَّطَوُّعِ وَلَمْ يُبْطِلْ صَوْمَ مَنْ جُنَّ, أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَقَلَّ النَّهَارِ, وَهَذَا عَجَبٌ آخَرُ وَلَمْ يُبْطِلْ صَوْمَ مَنْ نَامَ النَّهَارَ كُلَّهُ, وَهَذَا عَجَبٌ زَائِدٌ، وَلاَ نَدْرِي قَوْلَهُ فِيمَنْ نَوَى الْفِطْرَ أَقَلَّ النَّهَارِ: أَيَرَى عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَيَبْطُلُ صَوْمُهُ بِذَلِكَ أَمْ يَرَى صَوْمَهُ تَامًّا إلاَّ أَنَّهُ لاَ يَرَى فِيهِ كَفَّارَةً بِلاَ شَكٍّ وَلَمْ يُبْطِلْ الصَّوْمَ بِالْفَتَائِلِ تَتَدَخَّلُ لِدَوَاءٍ, وَلاَ نَقِفُ الآنَ عَلَى قَوْلِهِ فِي السَّعُوطِ وَالتَّقْطِيرِ فِي الآُذُنِ وَلَمْ يُبْطِلْ الصَّوْمَ بِكُحْلٍ فِي الْعَيْنِ لاَ عَقَاقِيرَ فِيهِ, وَلاَ بِمَنْ تَعَمَّدَ بَلْعَ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ أَضْرَاسِهِ مِنْ الْجَذِيذَةِ وَنَحْوِهَا, وَلاَ بِمَضْغِ الْعِلْكِ, وَإِنْ اسْتَدْعَى الرِّيقَ, وَكَرِهَهُ قال أبو محمد: إنْ كَانَ لاَ يُبْطِلُ الصَّوْمَ فَلِمَ كَرِهَهُ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لاَ نَحْتَاجُ مِنْ إبْطَالِهَا إلَى أَكْثَرَ مِنْ إيرَادِهَا وأما الْحَنَفِيُّونَ فَأَفْسَدُ الطِّبَاقِ أَقْوَالاً, وَأَسْمَجُهَا تَنَاقُضًا وَأَبْعَدُهَا عَنْ الْمَعْقُولِ وَهُوَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ وَالْقَضَاءَ عَلَى مَنْ وَطِئَ فِي الْفَرْجِ خَاصَّةً امْرَأَةً, حَلاَلاً لَهُ أَوْ حَرَامًا وَعَلَى الْمَرْأَةِ عَنْ نَفْسِهَا, وَعَلَى مَنْ أَكَلَ مَا يَغْتَذِي بِهِ, أَوْ شَرِبَ مَا يَتَغَذَّى بِهِ, أَوْ بَلَعَ لَوْزَةً خَضْرَاءَ, أَوْ أَكَلَ طِينًا إرْمِينِيًّا خَاصَّةً. وَأَبْطَلَ صَوْمَ مَنْ لاَطَ بِإِنْسَانٍ فِي دُبُرِهِ فَأَمْنَى, أَوْ بِبَهِيمَةٍ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ فَأَمْنَى, وَمَنْ بَقِيَ إلَى بَعْدَ الزَّوَالِ لاَ يَنْوِي صَوْمًا, وَمَنْ قَبَّلَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَأَمْنَى, وَمَنْ لَمَسَ كَذَلِكَ فَأَمْنَى, أَوْ جَامَعَ كَذَلِكَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَمْنَى, وَمَنْ تَمَضْمَضَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ, وَمَنْ أَكَلَ, أَوْ شَرِبَ, أَوْ جَامَعَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِطُلُوعِهِ ثُمَّ عَلِمَ, وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ, وَمَنْ جُنَّ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ, أَوْ أَيَّامًا, أَوْ الشَّهْرَ كُلَّهُ إلاَّ سَاعَةً وَاحِدَةً مِنْهُ, وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا دَخَلَ رَمَضَانُ, حَاشَا يَوْمِ اللَّيْلَةِ الَّتِي أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيهَا, وَالْمُرْضِعُ تَخَافُ عَلَى رَضِيعِهَا, وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي السَّفَرِ ثُمَّ جَامَعَ, أَوْ أَكَلَ, أَوْ شَرِبَ عَامِدًا ذَاكِرًا, وَمَنْ جَامَعَ, أَوْ أَكَلَ, أَوْ شَرِبَ عَمْدًا ثُمَّ مَرِضَ مِنْ نَهَارِهِ ذَلِكَ, أَوْ حَاضَتْ إنْ كَانَتْ امْرَأَةً, وَمَنْ أَصْبَحَ فِي رَمَضَانَ لاَ يَنْوِي صَوْمًا ثُمَّ أَكَلَ, أَوْ شَرِبَ, أَوْ جَامَعَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ, أَوْ فِي آخِرِهِ, وَالْمَرْأَةُ تُجَامَعُ وَهِيَ نَائِمَةٌ, أَوْ مَجْنُونَةٌ, أَوْ مُكْرَهَةٌ وَمَنْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ قَطَّرَ فِي أُذُنِهِ قُطُورًا وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَنْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ قُطُورًا, فَمَرَّةً أَبْطَلَ صَوْمَهُ, وَمَرَّةً لَمْ يُبْطِلْهُ وَأَبْطَلَ صَوْمَ مَنْ دَاوَى جَائِفَةً بِهِ أَوْ مَأْمُومَةً بِدَوَاءٍ رَطْبٍ, وَإِلاَّ فَلاَ وَأَبْطَلَ صَوْمَ مَنْ بَلَعَ حَصَاةً عَامِدًا, أَوْ بَلَعَ جَوْزَةً رَطْبَةً أَوْ يَابِسَةً, أَوْ لَوْزَةً يَابِسَةً, وَمَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ فَوَقَعَ نُقَطٌ مِنْ الْمَطَرِ فِي حَلْقِهِ وَأَوْجَبُوا فِي كُلِّ ذَلِكَ الْقَضَاءَ وَلَمْ يَرَوْا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةً. وَلَمْ يُبْطِلُوا صَوْمَ مَنْ لاَطَ بِذَكَرٍ فَأَوْلَجَ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ، وَلاَ صَوْمَ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ، وَلاَ صَوْمَ مَنْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ امْرَأَةٍ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ وَرَأَوْا صَوْمَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ تَامًّا صَحِيحًا لاَ قَضَاءَ فِيهِ، وَلاَ كَفَّارَةَ وَلَمْ يُبْطِلُوا صَوْمَ مَنْ اكْتَحَلَ بِعَقَاقِيرَ أَوْ بِغَيْرِهَا, وَصَلَ إلَى الْحَلْقِ أَوْ لَمْ يَصِلْ, وَلاَ صَوْمَ مَنْ تَابَعَ النَّظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ فَأَمْنَى، وَلاَ صَوْمَ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فَأَمْذَى وَلَمْ يُمْنِ, وَلاَ صَوْمَ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا, أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا, أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا, وَلاَ صَوْمَ مَنْ جَامَعَ أَوْ شَرِبَ, أَوْ أَكَلَ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ, أَوْ جَامَعَ بَعْدَهُ, أَوْ شَرِبَ بَعْدَهُ. وَمَنَعَ لِلْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا أَنْ يُجَامِعَهَا " فَلَيْتَ شِعْرِي: إنْ كَانَا صَائِمَيْنِ, فَهَلاَّ أَوْجَبَ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةَ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ صَائِمَيْنِ, فَلِمَ مَنَعَهُمَا، وَلاَ أَبْطَلَ صَوْمَ مَنْ أَخْرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ طَعَامًا أَقَلَّ مِنْ حِمَّصَةٍ فَبَلَعَهُ عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ. قال أبو محمد: فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا, أَوْ أَقْبَحُ قَوْلاً مِمَّنْ يَرَى اللِّيَاطَةَ. وَإِتْيَانُ الْبَهِيمَةِ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لاَ يُنْقِضُ الصَّوْمَ وَيَرَى أَنَّ مَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ تَقْبِيلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ فَأَمْنَى فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ أَوْ مِمَّنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَكْلِ مَا يُغَذِّي وَمَا لاَ يُغَذِّي، وَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا وَمِمَّنْ رَأَى أَنَّ مَنْ قَبَّلَ زَانِيَةً أَوْ ذَكَرًا أَوْ بَاشَرَهُمَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَلَمْ يُنْعِظْ, وَلاَ أَمْذَى: أَنَّ صَوْمَهُ صَحِيحٌ تَامٌّ لاَ دَاخِلَةَ فِيهِ وَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ تَقْبِيلَهَا وَهُوَ صَائِمٌ فَأَنْعَظَ: أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ بَطَلَ; وَمَنْ يَرَى عَلَى مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا الْقَضَاءَ وَيُبْطِلُ صَوْمَهُ وَيَرَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا مَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَضْرَاسِهِ مِنْ طَعَامِهِ أَنَّ صَوْمَهُ تَامٌّ فَهَلْ فِي الْعَجَبِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَالْعَجَبُ كُلُّهُ فِي إيجَابِهِمْ الْكَفَّارَةَ عَلَى بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ الْمُجَامِعِ قِيَاسًا عَلَى الْمُجَامِعِ, ثُمَّ إسْقَاطُهُمْ الْكَفَّارَةَ عَنْ بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ الْمُجَامِعِ وَكِلاَهُمَا مُفْطِرٌ, وَتَرَكُوا الْقِيَاسَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَلْتَزِمُوا النَّصَّ وَأَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى الْمُكْرَهَةِ عَلَى الْوَطْءِ, وَهِيَ غَيْرُ عَاصِيَةٍ بِذَلِكَ, وَأَسْقَطُوهَا عَنْ الْمُتَعَمِّدِ لِلْقُبُلِ فَيُمْذِي وَهُوَ عَاصٍ فَإِنْ قَالَ: لَيْسَ عَاصِيًا قلنا: فَاَلَّذِي قَبَّلَ فَأَمْنَى إذَنْ لَيْسَ عَاصِيًا, فَلِمَ أَوْجَبْتُمُوهَا عَلَيْهِ وَهَذِهِ تَخَالِيطُ لاَ نَظِيرَ لَهَا، وَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ أَصْلاً بِشَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ; لأَِنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمُفَرِّطِينَ فِي الْحُكْمِ فَلَمْ يَأْخُذُوا بِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّ رَجُلاً أَفْطَرَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ عليه السلام بِالْكَفَّارَةِ، وَلاَ بِرِوَايَةِ مَنْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ عليه السلام بِالْكَفَّارَةِ, فَيَقْتَصِرُوا عَلَيْهِ, وَلاَ قَاسُوا عَلَيْهِ كُلَّ مُفْطِرٍ وَأَسْقَطُوا الْكَفَّارَةَ عَمَّنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ, وَفِي صَوْمِ نَذْرٍ, وَفِي شَهْرَيْ الْكَفَّارَةِ, وَقَدْ صَحَّ عَنْ قَتَادَةَ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ عَامِدًا, وَتَرَكُوا هَاهُنَا الْقِيَاسَ; لأَِنَّهُ صَوْمُ فَرْضٍ, وَصَوْمُ فَرْضٍ, وَتَعَمُّدُ فِطْرٍ, وَتَعَمُّدُ فِطْرٍ فإن قيل: فَمِنْ أَيْنَ أَسْقَطْتُمْ الْكَفَّارَةَ عَمَّنْ وَطِئَ امْرَأَةً مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ فِي الْفَرْجِ وَعَنْ الْمَرْأَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِإِكْرَاهٍ أَوْ بِمُطَاوَعَةٍ قلنا: لأَِنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ إلاَّ فِيمَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ, وَلاَ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ وَطِئَهَا فِي غَيْرِ الْفَرْجِ اسْمُ وَاطِئٍ, وَلاَ اسْمُ مُوَاقِعٍ, وَلاَ اسْمُ مُجَامِعٍ, وَلاَ أَنَّهُ وَطِئَهَا، وَلاَ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا, وَلاَ أَنَّهُ جَامَعَهَا, إلاَّ حَتَّى يُضَافَ إلَى ذَلِكَ صِلَةُ الْبَيَانِ, فَإِيجَابُ الْكَفَّارَةِ عَلَى غَيْرِ مَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَتَعَدِّي لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ, وَإِيجَابُ مَا لَمْ يُوجِبْهُ وأما الْمَرْأَةُ فَمَوْطُوءَةٌ, وَالْمَوْطُوءَةُ غَيْرُ الْوَاطِئِ, فَالأَمْرُ فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ أَوْضَحُ مِنْ كُلِّ وَاضِحٍ وَأَيْضًا: فَإِنَّ وَاطِئَ الْحَرَامِ لاَ يَصِلُ إلَى الْوَطْءِ إلاَّ بَعْدَ قَصْدٍ إلَى ذَلِكَ بِكَلاَمٍ أَوْ بَطْشٍ، وَلاَ بُدَّ; وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ مَعْصِيَةٌ تُبْطِلُ الصَّوْمَ فَلَمْ يُجَامِعْ إلاَّ وَصَوْمُهُ قَدْ بَطَلَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فإن قيل: فَإِنَّكُمْ تُوجِبُونَهَا عَلَى مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَهُمَا حَائِضَانِ قلنا: لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْجَبَهَا عَلَى مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ جُمْلَةً, وَلَمْ يَسْأَلْهُ: أَحَائِضًا هِيَ أَمْ غَيْرَ حَائِضٍ .
|